تأثيرات المواد الحافظة في الصحة العامة

تأثيرات المواد الحافظة في الصحة العامة

 

الاستاذ المساعد الدكتور حسين جاسم الحديثي
قسم علوم الاغذية

   تشكل المواد الحافظة موضوع جدل مستمر بين الأوساط الأكاديمية والبحثية والجهات التشريعية والرقابية والتنفيذية وصناعة الغذاء، وتكمن أهمية هذا الموضوع في الأعداد الكبيرة والمتنوعة من هذه المواد والشكوك المتزايدة حول علاقتها بالأمراض وخاصة السرطان والحساسية وعدم قدرة الجهات الرقابية على متابعة استخداماتها ومعدلات تواجدها في الكم الهائل من المنتجات الغذائية.

   المواد الحافظة هي المواد التي تضاف إلى المادة الغذائية بغية حفظها من الفساد لفترات زمنية طويلة وتعمل هذه المواد على منع أو تأخير التغيرات الكيميائية كما في تفاعل الأوكسجين مع الزيوت أو الدهون وكذلك الفيتامينات الذائبة في الدهون والتي تؤدي إلى التزنخ. والتزنخ يفسد الغذاء ويجعله مضرا بصحة الإنسان، ويرمز للمواد الحافظة شأنها شأن مضافات غذائية اخرى بالرمز (E) وتتبعه الأرقام 200 الى 299.

   تتسبب المواد الحافظة في عددكبير من الاضرار الصحية والعامة يمكن تلخيصها بما يأتي:

- تتميز بعض انواع المواد الحافظة بمقدرتها على التراكم في انسجة معينة مسببة  ظهور حالات مرضية متعددة.

- البعض منها مسؤول عن بعض انواع الحساسية

- التقليل من جودة النوعية (نوعية الأكل أو الشرب أو خلاف ذلك)

- التقليل من الفوائد الصحية المرجوة من تناول بعض الاغذية وبنسبة تصل أحياناً الى 40% وخاصة في الفواكه والخضار.
- من الممكن ان يكون الإنسان عند ألاكل منها بكثرة معرضاً لسمنة أكثر من الذي يستهلك المواد الطازجة.

- تمنع حصانة الجسم من البكتيريا المسببة لطفح الجلدي

- تمنع الجسم من مقاومة الأضرار الناتجة من الاصابة ببعض العوامل المرضية كالفيروسات ومعظم المكروبات.

- تقل نكهة المواد الحافظة عن المأكولات الطازجة بنسبة 20% كحد أدني لذالك ، وقد تزيد كلما زادت نسبة المواد الحافظة في المعلبات المصنوعة.

- تقليل السعرات الحرارية بنسبة تتراوح بين 40-80%، وقد تتلاشى هذه السعرات الحرارية كلما اقترب موعد انتهاء صلاحية المواد الحافظة.

لقد حظيت الاضرار التي تسببها المواد الحافظة بالصحة العامة بعدد هائل من الدراسات، على سبيل المثال وجد في دراسة رسمية لسبعة انواع من المواد الحافظة أن ذكاء الأطفال يتضرر بشكل بالغ بسبب تلك المواد التي يوجد حرف E أمام العدد الذي يرمز إليها مما جعلها تعرف بمواد E-numbers. وبعد تقديم نتائج تلك الدراسة أوصى مسؤولو وكالة رقابة الأغذية بإزالة ستة من المواد الحافظة الواردة في الدراسة بحلول نهاية العام الذي انتهت فيه الدراسة.

    وجهت مجموعات مدنية مهتمة بالصحة العامة انتقادات حادة إلى وكالة الأغذية لفشلها في حظر هذه المواد الحافظة بعد صدور نتائج الدراسة التي مولتها الوكالة بـ750 ألف دولار. وبدلا من اتخاذ إجراء فوري قالت الوكالة إنها ستتفاوض مع المصنعين حول أنجع السبل لإزالة هذه المواد، لكنها تنتظر. ورغم اعتراف الهيئة الأوروبية بأن المواد الحافظة لها أضرار محدودة على صحة الأطفال فإنها قررت أن لا تعتبر الدراسة الأخيرة مبررا كافيا لتغيير معايير الأمان الخاصة بتلك المواد غير أن البروفسور جيم ستيفنسون الذي قاد فريق البحث بعث رسالة إلى وكالة مراقبة الأغذية في الولايات المتحدة يطالبها فيها بـ اتخاذ إجراءات فورية

اظهرت دراسة حديثة ان المواد الحافظة الموجودة في منتجات كالصابون ومعجون الاسنان وغسول الفم قد تكون مرتبطة بزيادة احتمال الاصابة بالحساسية لدى الاطفال.
استخدم الباحثون بيانات من احصائيات شملت 860 طفل تتراوح اعمارهم من 6 سنوات الى 18 سنة لبحث الرابط بين المستويات الموجودة في الادرار والمواد الحافظة الموجودة في العديد من منتجات العناية الشخصية وبين وجود الاجسام المضادة الجلوبيولين المناعية IgE في دم الاطفال.
الاجسام المضادة الجلوبيولين المناعية هي جزء من الجهاز المناعي في الجسم، ويزداد مستواها بالدم استجابة لمسببات عديدة منها الحساسية لذلك فهي تزداد بمستوى ملحوظ لدى الاشخاص المصابين بالحساسية.

   وقال الباحثون انهم وجدوا علاقة بين مستوى التعرض بقياس كمية المادة الحافظة في الادرار وبين احتمال الاصابة بالحساسية مشيرا الى وجود الاجسام المضادة بالدم التابعة لمسببات حساسية معينة، ووجد بما لا يقبل الشك ان الاطفال الذين لديهم اعلى مستويات من المادة الحافظة بروبيل بارابين كان لديهم احتمال الاصابة بالحساسية البيئية أكثر بمرتين مقارنة بالاطفال الذين كانت لديهم اقل المستويات من المادة الحافظة، ولكن لم ترتبط مستويات البروبيل بارابين باحتمال الاصابة بحساسية الاطعمة.

   اتخذت هذه الجهات التشريعية احتياطات أخرى لحماية المستهلك من ضرر المواد المضافة المسموح باستخدامها في الأغذية، حيث تم تحديد مجاميع الأغذية التي يسمح بإضافة المادة المضافة لها، والتراكيز المسموح إضافتها من تلك المادة، فضلا عن تبني أسلوب ضبط جودة قادر على مراقبة استعمال المواد المضافة في الأغذية بطريقة فعالة تضمن السلامة والأمان.

   ينبغي الاشارة الى ان الوضع مختلف تماما في العديد من الدول النامية حيث أن الجهات التشريعية غير قادرة على اتخاذ احتياطات كافية لحماية المستهلك من ضرر المواد الحافظة المضافة الى بعض المنتجات المصنعة.