إحياء الموات من الأرض

2022-08-18

إحياء الموات من الأرض

الاستاذ المساعد الدكتور نوفل عدنان صبري

مركز تنمية حوض أعالي الفرات/ جامعة الانبار

   لقد استخلف الله تعالى الإنسان على هذه الأرض وألقى عليه مهمة إعمارها فقال تعالى في محكم التنزيل: )هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا( (هود: 61)، وإن هذه المسؤولية الملقاة على كاهله تستوجب السعي والأخذ بالأسباب واستثمار ما سخره الله تعالى لنا، ولعل من أسمى الأعمال التي تعين الإنسان للعيش والحياة الكريمة هي الزراعة، ولا يخفى على القارئ أن بلدنا يتمتع بمساحات كبيرة من الأراضي المتروكة والمهملة، والأراضي التي تم التعاقد عليها ولم تستغل، فجاء مقالنا هذا ليسلط الضوء على هذه القضية، ويطرحها أمام المسؤولين وصناع القرار، فالشريعة الإسلامية تجيز لمن أحيا أرضاً مواتاً أن يملكها وفق مفهوم معين وضوابط محددة.

    وفي البدء نتعرف على مفهوم الأرض الموات: فالموات بفتح الميم والواو: هو ما لا روح فيه، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها؛ ويعرفها الفقهاء: بأنها الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم، ومن ذلك يظهر لنا أن الأرض الموات: هي الأرض المتروكة التي لا يُنْتَفع بها انتفاعاً معتداً به سواء كان ذلك بسبب انقطاع المياه عنها، أو استيلاء المياه أو الأحجار، أو الرمال عليها أو طبيعة تربتها أو غير ذلك من الأسباب(1)

   وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين عن الرسول r (من أعمر أرضاً ليست لأحدٍ، فهو أحق)(2) وفي الحديث الشريف حثٌ على تعمير الأرض وإحياء الموات، التي لا يعرف لها مالك قبله، ولم تتعلق بمصلحة البلد أو القرية، وفي هذا الحديث دلالة على تكريم من يحيي أرضاً ميتتاً، فبالإضافة إلى التكريم الأخروي الذي يترتب نتيجة ما ينتفع به الناس والدواب من زراعتها، فقد كُرم محييها أن تملك له.

   وقد اتفق العلماء على أن إحياء الأرض سبب في ملكيتها، لكنهم اختلفوا في مسألة اشتراط أخذ إذن الوالي أم لا، فكان رأي الإمام أبو حنيفة اشتراط أخذ إذن الوالي، أما الإمام مالك رحمه الله: اشترط إذن الوالي تبعاً لقرب الأرض من العمران، فالقريب يشترط فيه الإذن على مذهبه، وذهب الأمام الشافعي وابن حنبل رحمهما الله إلى القول: أنه لا يُشترط إذن الوالي في هذه القضية وذلك تشجيعاً لاستصلاح الأراضي المتروكة(3).

   مما لا شك فيه أن بلدنا العراق ومحافظتنا على وجه الخصوص تنعم بمساحات واسعة من الأراضي التي يظن الكثيرون أنها صحراء وغير قابلة للزراعة، لكن في الحقيقة ومن خلال الدراسات الواسعة في هذا المجال تبين أن معظم تلك الأراضي صالحة للزراعة إذا ما توفرت لها الإمكانات والخبرات والبنى التحتية، وكل ذلك لا يمكن تحقيقه ما لم يستند إلى قاعدة شرعية وقانونية تتيح لمؤسساتها كالجامعة على سبيل المثال أو باحثيها من ذوي الاختصاص إمكانية العمل واستغلال تلك الأراضي التي باتت تشكوا الإهمال والسيطرة العمياء من قبل أغلب المتعاقدين، الذين كانت تلك العقود المبرمة مع وزارة الزراعة مورداً ممتازاً لهم خارج مفهوم المنظومة الزراعية، لذا لا بد من إيجاد حلول ناجعة تجبرهم على استصلاح تلك الأراضي أو تركها لمن يستطيع ذلك. وقد ورد عن أبو عبيدة في (الأموال) عن الحارث بن بلال بن الحاث المزني، عن أبيه أن رسول الله r أقطعه "العقيق" أجمع، فلما كان زمان عمر رضي الله عنه قال لبلال: (إن رسول الله لم يقطعك لتحتجزه عن الناس، وإنما أقطعك لتعمل؛ فخذ منها ما قدرت على عمارته، ورد الباقي)(4).  

#جامعة_الأنبار

#university_of_anbar     



[1] - محمد عبد ربه محمد السبحي: إحياء الأرض الموات في الشريعة الإسلامية، المؤتمر العلمي الثاني لكلية الحقوق – جامعة طنطا، 2015، ص4.

[2] - صحيح البخاري: كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضاً موات، رقم الحديث  2335

[3] - الطحاوي، أحمد بن محمد سلامة: شرح معاني الآثار، دار الكتب العلمية، بيروت،1993، ج3 / ص268.

[4] - ابن عساكر، أبي علي القاسم علي بن الحسن: تاريخ مدينة دمشق، تحقيق مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت، ص216. 

 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر