دور التراث الحضاري لمناطق أعالي الفرات في إحداث التنمية

2022-04-27

دور التراث الحضاري لمناطق أعالي الفرات في إحداث التنمية

  الدكتور عمر ياسين نده

رئيس قسم الموارد البشرية

مركز تنمية حوض أعالي الفرات/ جامعة الانبار  

     في عصر يتسم بالحداثة والتطور العمراني والفكري، يعد التراث الحضاري للبلدان الوسيلة الأساسية لنقل القيم والأصول المشتركة والحفاظ على النسيج المجتمعي الذي تم بناءه منذ قرون وتناقلته الأجيال، لنجده اليوم حكايات شعبية تبعث في النفس الحنين إلى الماضي وتشدنا إلى أسلاف كانت لهم بصمات من العزة والفخار، ونجده كذلك في مئات الشواخص الأثرية التي تنتشر في مناطق أعالي الفرات تقدم نفسها بأنها وسيلة تواصل بين الماضي والحاضر.

    ولأن التراث العمراني كما عرفته المادة الأولى من مسودة ميثاق المحافظة على التراث العمراني في الدول العربية: بأنه "كل ما شيده الإنسان من مدن وقرى وأحياء ومبان وحدائق ذات قيمة تاريخية أثرية أو معمارية أو عمرانية أو اقتصادية أو تاريخية أو علمية أو ثقافية أو وظيفية([1])، فالحفاظ هذه الثروة العمرانية التي يعود بعض منها لآلاف السنين من الأمور التي يجب أن تتكاتف الجهود من أجلها، لما لها من أهمية بالغة في التعبير عن هوية هذه المناطق وانتمائها الحضاري وما قدمته من إسهامات في تطور الحضارات الإنسانية، فهذه المناطق هي جزء من حضارات قديمة مثل بابل وأشور قدمت للبشرية الكثير.

   وإدراكاً لهذه الأهمية وما يمكن أن تقدمه تلك المواقع الأثرية للنهوض بالنشاط السياحي ودوره في إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية تشكل بحد ذاتها قاعدة للتنمية، وبالتالي تفعيل أحد الأنشطة الأساسية التي من خلالها توفر فرص عمل دائمة تحقق الاستقرار الاقتصادي والأمني الذي تحتاجه هذه المناطق.

   وفي هذا المجال يجمع الباحثون ورجال الاقتصاد أن للسياحة الثقافية دور كبير ومحوري في إنعاش الاقتصاد وتحقيق التنمية، فمنذ عام 1985 أصبحت السياحة أكبر صناعة في العالم حسب إحصائيات الأمم المتحدة، لما تسهم فيه من تحريك الأنشطة الاقتصادية الأخرى، والذي بدوره يفتح الباب أمام نمو الاستثمارات السياحية والذي من شأنه يحقق الاستغناء عن استيراد الكثير من السلع والخدمات المرتبطة بهذه الصناعة، بالإضافة إلى كونها مصدراً مهماً لجلب العملات الصعبة والتي ينعكس دورها في تحريك عجلة الاقتصاد([2]).

   ومما لا شك فيه أن المواقع الأثرية في مناطق أعالي الفرات ليست بمعزل عن مثيلاتها في عموم العراق فهي تعاني بمجملها الإهمال لعوامل مختلفة، منها تقادم الزمن، وعدم الوعي بأهميتها وعدم إبرازها كمعالم أثرية من قبل الجهات المختصة، مما جعلها عرضة للتجاوز، وكذلك ما تعرض له قسم منها للتدمير أثناء العمليات العسكرية التي شهدتها هذه المناطق لعقدين من الزمن، كل ذلك وغيره أدى إلى تلاشي معالم كثير منها واندثار أخرى، لكن ما بقي شاخصاَ يحكي قصص الماضي ويشهد على إبداع أهلها، ويستصرخ جهود وإمكانات هذه المحافظة للالتفات وبذل الكثير لإنقاذه وجعله قبله للسائحين وطلبة العلم.


[1] - تقرير، " ميثاق المحافظة على التراث العمراني في الدول العربية وتنميته "، المملكة العربية السعودية: الأمانة العامة للهيئة العليا للسياحة .2003

[2] - سميرة مالكي: دور التراث العمراني والسياحة الثقافية في التنمية الاقتصادية الآثار الإسلامية الأندلسية في إسبانيا، مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية، 2021، ص 2267. 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر