مقال اكاديمي أ.م.د. يوسف سامي فرحان

مقال اكاديمي أ.م.د. يوسف سامي فرحان





 أ.م.د. يوسف سامي فرحان

التدريسي في قسم التاريخ

مجلس الاعمار العراقي مسيرة وانجاز.

نشأة مجلس الإعمار :

بدأت الدولة العراقية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بالتخطيط لاستثمار موارده من أجل ارتفاع مستوى معيشة الفرد العراقي, ألا إن العراق لم يعرف النجاح في مجال الأعمار والبناء بالشكل الصحيح منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام1921, إلا في تأسيس مجلس الأعمار عام 1950.

اذ كان العراق يعتمد قبل هذا التاريخ على البرامج الحكومية ومناهج الوزارات في اتباع السياسات الاقتصادية الصناعية والعمرانية, وذلك نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والصناعية التي كان يعيشها العراق, بسبب التبدل الدائم للوزارات وعدم قدرة الوزير المختص بالعمل على دراسة وتنفيذ المشاريع أضافة الى ذلك قلة الموارد التي تحصل عليها الخزينة العراقية من واردات النفط المصدر بسبب احتكار الشركات الأجنبية للنفط وعدم وجود موارد أخرى في تلك المدة، وبعد أن تضاعفت واردات العراق ولاسيما بعد زيادة حصة العراق من النفط على أثر توقيع اتفاقية نفط جديدة مع شركات النفطية, أدى الى تفعيل دور مجلس الأعمار الذي كان نموذجاً جديداً في عملية التخطيط للتنمية لغرض جمع المعلومات ووضع الخطط اللازمة للبناء في العراق فركزت الدولة على أنشاء البنى التحتية وتطوير موارد البلاد، وبعد تشكيل وزارة نوري سعيد الجديدة في 15 أيلول 1950 تم تعيين أول مجلس للأعمار, وترأس المجلس رئيس الوزراء الأسبق أرشد العمري، وكان أعضاء المجلس هم : وزير المالية الأسبق علي ممتاز الدفتري, ووزير والضابط العسكري المتقاعد جلال بابان, ووزير المواصلات والأشغال عبد الامير الأزري, بالإضافة  للمهندس الأمريكي المستر نلسون والمستشار البريطاني السير ميللر.

قد تركزت أهداف المجلس بالدرجة الأولى على تحديد الأموال التي تصرف للتنمية, وكذلك تحديد سياسة الدولية المالية والاقتصادية للنهوض بالواقع العمراني والصناعي في العراق, ووضع منهاج لتنفيذ المشاريع المتعددة ومقترحات لمشاريع جديدة .

 

 

انجازات مجلس الأعمار:

     لقد قام مجلس الأعمار أنجاز عدة مشاريع تنموية وخدمية كبيرة لايزال العراق يحتفظ بقسم كبير منها, ومن المشاريع المهمة التي ركز اهتمامه عليها وخصص لها جزء كبير من ميزانيته هي مشاريع الري لتلافي خطر الفيضانات وانقاذ مدينة بغداد من الغرق والدمار، كما خصص المجلس حصة كبيرة من ميزانيته لمشروع الثرثار، ويعد من المشاريع الضخمة التي انجزها المجلس, وتم افتتاحها في عام 1956 وله الفضل في الحفاظ على بغداد والمحافظات الجنوبية من الغرق ، وفي العام نفسه أنجز مشروع آخر هو بحيرة الحبانية وكان يهدف الى انشاء سدة الرمادي على نهر الفرات في الرمادي للسيطرة على مياه النهر وتحويل الزائد منها الى بحيرة الحبانية  بواسطة ناظم وجدول يشيدان لهذا الغرض, وفي عام 1959 أقيم سد دوكان , وكذلك مشروع سد وخزن دربندخان عام 1961, وسد بطمة على الزاب الصغير وخزان بخمة على الزاب الكبير  وبهذه المشاريع تخلصت بغداد من خطر الفيضانات الذي كان يهددها، كما لقد قام المجلس بتنفيذ عدة مشاريع أخرى وهي : مصفى القير : وقد بدأ الإنتاج فيه عام 1955، ومصنع النسيج القطني في الموصل : وبلغت تكاليف أقامته 2,5 مليون دينار , وبدأ العمل فيه 1957، ومصنع السكر في الموصل : وبلغت تكاليف أقامته 2,2 مليون دينار , وتم إنشاؤه في عام 1958 معملان للإسمنت الأول في سرجنار : وبلغت تكاليفه 2,8 مليون دينار وبدأ الإنتاج عام 1959 . والثاني في الموصل وقد تأخر الانتاج فيه الى السنين الأخيرة من عهد الزعيم عبد الكريم قاسم وكان مقرر ضمن خطة المجلس التي تنتهي في عام 1960 انشاء معمل الورق في البصرة ومعمل الحديد والصلب في جنوب العراق، فضلاً عن  مشاريع عمرانية وسكنية واقامة الجسور ,ومن اهمها جسر الجمهورية وجسر الكوفة وبناء المدارس، اذ أزداد عددها بعد تأسيس المجلس ورصد مبالغ مالية لشؤون التعليم من قبل الدولة فبنيت مايقارب  760 مدرسة ابتدائية , وكذلك مشاريع صناعية وأنشاء سكك حديد, ومزارع نموذجية ومبازل, ونصب محطات لتوليد الطاقة الكهربائية وغيرها, وقد توزعت هذه المشاريع على كافة محافظات العراق، اعداد مخطط عصري لمدينة بغداد يحتوي على مشروع سكني ومن بينها مشروع جامعة بغداد, وبناء دار الأوبرا الذي لم ينجز وقامت المؤسسة بوضع مخطط لتطويق مدينة بغداد بوحدات سكنية جاهزة تمتد من ضفتي نهري دجلة والفرات.

عند قيام ثورة 14 تموز 1958 كان هناك عدة مشاريع قيد الأنشاء مثل مدينة الطب ومستشفى الكرخ ومستشفى الكاظمية وبناية البرلمان وبناية جامعة بغداد في الجادرية تم تنفيذها , فضلاً عن مشاريع اخرى تم ايقاف تنفيذها بسبب قيام الثورة : كدار الأوبرا ومطار بغداد الجديد وفنادق وملعب رياضي كبير لكرة القدم وغيره، مع مشاريع عدة اخرى توزعت على محافظات العراق الاخرى, كل ذلك يعكس بوضوح الدور الريادي لما قام به مجلس الاعمار في رسم وتنفيذ سياسات اقتصادية وصناعية وعمرانية رشيدة كانت تهيأ لدخول العراق عصر الحداثة والتقدم الاجتماعي .